من هو محمد بن مراد العثماني – المعاني
منذ عهد معاوية بن أبى سفيان قام الكثير بمحاولات فتح القسطنطينية ليكون صاحب البشارة النبوية التي بشر بها النبي – صل الله عليه وسلم- بقوله :” لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش” ، فمن هو صاحب تلك البشارة ؟.. أنه ابو الخيرات سابع سلاطين الدولة العثمانية وسلالة آل عثمان، السلطان محمد الفاتح أبن السلطان مراد الثاني. محمد الفاتح ونشأته وحياته: وُلد محمد الفاتح في (27 من رجب 835هـ= 30 من مارس 1432م) في مدينة أدرنه، عاصمة الدولة العثمانية تعهده والده بالرعاية والتعليم؛ ليكون جديرًا بالسلطنة والنهوض بمسئولياتها؛ فأتم حفظ القرآن، وقرأ الحديث، وتعلَّم الفقه، ودرس الرياضيات والفلك وأمور الحرب، وإلى جانب ذلك تعلَّم العربية والفارسية واللاتينية واليونانية. عهد إليه أبوه بإمارة مغنيسيا وهو صغير السن ليتدرَّب على إدارة شئون الدولة وتدبير أمورها، تحت إشراف مجموعة من كبار علماء عصره؛ مثل: الشيخ آق شمس الدين، والمُلَّا الكوراني؛ وهو ما أثَّر في تكوين شخصية الأمير الصغير، وبناء اتجاهاته الفكرية والثقافية بناءً إسلاميًّا صحيحًا. و لآنه كما اخبرنا رسولنا الكريم ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة لا تألوه خبالا” فقد رزق الله محمد الفاتح بالنوع الاول من البطانة فبرز دور الشيخ آق شمس الدين في تكوين شخصية محمد الفاتح، وبثَّ فيه منذُ صغره أمرين؛ هما: مضاعفة حركة الجهاد العثمانية، والإيحاء دومًا لمحمدٍ منذُ صغره بأنه الأمير المقصود بالبشارة النبوية لذلك كان الفاتح يطمع أن ينطبق عليه حديث نبي الإسلام، فشبَّ طامح النفس، عالي الهمَّة، موفور الثقافة، رهيف الحسِّ والشعور، أديبًا شاعرًا، فضلًا عن إلمامه بشئون الحرب والسياسة؛ فقد اشترك مع أبيه السلطان مراد في حروبه وغزواته. ولأنه تربى منذ صغرة على أنه القائد فبعد أن توفى أخيه الأكبر وولي العهد الأمير علاء الدين، حزن أبيه حزنا شديدا وسئم الحياة، فتنازل عن الملك لابنه محمد وعمره 14 عاما، وقتها وجد محمد نفسه أمام مهام أكبر من سنه، ولم تمض إلا أشهر حتى غدر المجر وأغاروا على بلاد البلغار غير مراعين شروط الهدنة الموقعة عام 1444 مع أبيه السلطان مراد الثاني، فما كان من محمد إلا أن أرسل رسالة إلى أبيه كان فيها “إن كنت أنت السلطان فتعال وقف على قيادة جيشك ورياسة دولتك، وإن كنت أنا السلطان فإني آمرك بقيادة الجيش”، وعاد أبيه وصد الهجوم وانتصرت الدولة العثمانية. وبعد وفاة أبيه السلطان “مراد الثاني” في (5 من المحرم 852 ﻫ = 7 من فبراير 145 م) تولى “محمد الفاتح” عرش الدولة العثمانية ، وكان شابًّا فتيًّا في العشرين من عمره ، ممتلأ حماسًا وطموحًا فبدأ في التجهيز لفتح القسطنطينية، ليُحقِّق الحُلْم الذي يُراوده، وفي الوقت نفسه يُسَهِّل لدولته الفتية الفتوحات في منطقة البلقان، ويجعل بلاده متصلة لا يفصلها عدوٌّ يتربَّص بها، وليكون هو محلَّ البشارة النبوية. كان محمد الفاتح مسلمًا قبل أن يكون عثمانيًّا.. تسلّم قيادة أعظم إمبراطورية إسلامية تقف وحدها مدافعة عن المسلمين بعد سقوط الأندلس، وبعد انهيار خلافة العباسيين.. وبعد أن تداعت آيلة للسقوط دولة المماليك، التي صدّوا الغارة التتارية سنة 658هـ. وحمل العثمانيون الراية بعد تداعت هذه القوى (أيوبية، وعباسية، ومماليك) فَصَدّوا أوربا، التي كانت قد زحفت على شمال إفريقية (تونس والجزائر ومراكش) بعد سقوط غرناطة سنة (897هـ/ 1492م). فكان ظهور العثمانيين إنقاذًا من الله للعالم الإسلامي. وكانت أولى خطوات الحلم هي السيطرة على مضيق “البسفور” حتى يمنع “القسطنطينية” من وصول أية مساعدات لها من أوروبا ، فبنى قلعة كبيرة على الشاطئ الأوروبي من مضيق “البسفور” ، واشترك هو بنفسه مع كبار رجال الدولة في أعمال البناء ، ولم تمض ثلاثة أشهر حتى تم بناء القلعة التي عرفت بقلعة “الروم” ، وفى مواجهتها على الضفة الأخرى من “البسفور” كانت تقف قلعة “الأناضول”، ولم يعد ممكنًا لأي سفينة أن تمر دون إذن من القوات العثمانية. فتح القسطنطينية: استعدَّ السلطان محمد الثاني سياسيًّا وعسكريًّا لذلك الفتح؛ فمن الإجراءات السياسية أنه جدَّد المعاهدات واتفاقيات الهدنة مع جميع جيرانه، ومَنْ تربطهم عَلاقات معينة بالدولة كالبندقية وجنوه والصرب، وفرسان القديس يوحنا وغيرهم، وكان الهدف هو عزل الدولة البيزنطية عن جيرانها سياسيًّا وعسكريًّا. ثم حشد الفاتح أكثر من ربع مليون جندي أحدقوا بالقسطنطينية من البَرِّ، واستمرَّ حصار المدينة ثلاثة وخمسين يومًا، تمَّ خلالها بناء منشآت عسكرية ضخمة، واستقدام خيرة الخبراء العسكريين، ومن بينهم الصانع المجري الشهير أوربان، والذي استطاع صُنْعَ مدافع عده من بينها مدفع ضخم عملاق لم يُرَ مثله من قبل.